من لطيف ما مثَّل به الشهيد المطهري رحمه الله، للصراع أو الصدام بين قوى الفعل والحركة، مع عناصر الإحباط وأعداء النجاح… تمثيله للأمر بحكاية رشق القطار بالحجارة، فالملاحظ أن القطار المتوقف في المحطة، لا يناله شيء، ولكن ما إن يتحرك ويمضي ليتقدم، تناوشته الأيدي بالقذف وطالته الحجارة بالقصف!
وما لم يذكره الشهيد مطهري، وأسجله هنا كحاشية وتعليق على مقولته، أن من يمارس هذا الفعل المشين، هم دائماً أطفال أو مراهقون يافعون (أعماراً أو عقولاً، وخبرة وتخصصاً)!
والغريب أن هؤلاء المساكين، إذا أُلقي القبض عليهم متلبسين وافتضحوا بالجرم المشهود، زعموا أنهم يرمون طيراً ويهدفون خيراً، مرَّ القطار أمامه، وجاء في طريق حجارتهم، والقضية لا بُعد شخصي لها بتاتاً.. ولعمري، فإن الصدق يقطر من وجودهم ويفيض من جوانبهم، وشاهده البسيط، وجود عشرات الأهداف و”الطيور” عن يمينهم وشمالهم، وبين يديهم ومن خلفهم، وهم لا يصوِّبون إلا على هذا الفاعل الناجح المنجز، والقطار المتحرك المتقدم فحسب!
عموماً، النقد حالة صحية سليمة، والمحاسبة أداء ملتزم، والمتابعة فعل مسؤول سديد، وهي كلها عليها رقيب لا تخفى عليه خافية.. سيفتضح الكاذب، ويهتك المتاجر المستأكل، ويخرج الصادق ظافراً دائماً، سواء بلغ أهدافه وحقق خطابه، أم حالت دون ذلك “حجارة” وسدود، فهو مأجور على نيته وعزمه، قبل فعله وإقدامه، فكيف وقد سعى جهده وبذل وسعه.
وبعد، فالمنتقدون وقاذفو الحجارة أنواع، هناك من تحرِّكهم أجندات ومشاريع كبرى، فهم بيادق رخيصة على رقعة، يمهِّدون للرخِّ والوزير والشاه، وهؤلاء قذرون مبتذلون، لا طائل من مخاطبتهم إلا بالإهمال أو كشف الزيف والتقريع، وهناك بسطاء فشلت صفقتهم وتكبدوا خسائر شخصية، علينا تحمُّل عتابهم وتفهُّم جراحهم، ثم إفهامهم أن القضية الكبرى والأداء الرسالي والهم الوطني الكبير الذي يستنقذ الطائفة من ركام ترزح تحته منذ عشرات السنين.. له ثمن، فإذا وعوا وتنبهوا، فسيلقون صدوراً رحبة وأحضاناً تغمر كل مؤمن موال وإن جفا يوماً وقسا.
ولكن هناك عامل فاعل في النوعين، إذا تمكَّن من أحدهم ووقع فيه المبتلى فقد أعضل الداء وأعيى الدواء، وهنا الطامة الكبرى… وهي الإصابة بالحسد، واللحوق بالمرضى الروحيين والدخول في المعقدين النفسيين، يضطرم جوفه ويتقطع كبده، لا يسمع ولا يرى إلا ما يثير حنقه ويأجج غيظه، وما زال في هذا حتى يهلك. وكم صدق القائل: “لله درُّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله”.
إن الساحة رحبة كبيرة واسعة، يمكن لذوي الكفاءة والهمة أن يعيشها ناشطاً سياسياً وكاتباً ومصلحاً، وليس بالضرورة أن يكون نائباً، كما لم أكن من قبل، ولن أكون من بعد، فدوام الحال من المحال. ولكن هذا لن يمنع النهوض بالواجب والسعي لاستنقاذ الحق. وأول خطوات ذلك، معرفة الحق وتشخيصه، والقوم ضيعوه منذ أمد بعيد.
خلق الله للحروب رجالاً
ورجال لقصعة وثريد
