أقامت جمعية المحامين ممثلة بلجنة الحريات ندوة بعنوان البصمة الوراثية من الناحية القانونية والفنية وآثار تطبيقها بمشاركة د.ساجد العبدلي ود.حمد الياسين والمحاميين عادل العبدالهادي والمحامي محمد عبدالله العنزي و أدارت الندوة المحامية نغم بورسلي عضو جمعية المحامين الكويتية وعضو لجنة الحريات بالجمعية
وقال الدكتور ساجد العبدلي إنه كتب مقالاً مطولاً في نقد هذا القانون في شهر يوليو الماضي بعنوان "ما أخفوه عنك في مشروع البصمة الوراثية" استنكر فيه إصدار مثل هذا القانون.
وقال: كنت نشرت تغريدة في “تويتر” عندما ظهر خبر “توجه وزارة الداخلية” لجمع ما أسمته بالبصمة الوراثية لكل من يقطن على هذه الأرض ومن يدخلها أو يخرج منها، من كويتيين وغيرهم، قلت فيها ما معناه بأن الجماعة يحسبون الأمر نزهة في إشارة إلى صعوبة تطبيق الأمر على أرض الواقع.
وقال العبدلي: أدرك الهاجس الأمني وأقدر حرص المسئولين على حماية الوطن، وأتفهم موضوع ملف الجنسية والقلق الحاصل من مسألة التزوير وما شبه، ولكني لا أستطيع أن أقبل بقانون البصمة الوراثية بالطريقة التي جاء بها، لأني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقبل بالقاعدة الميكيافيلية بأن "الغاية تبرر الوسيلة".
لقد طرح المشروع بصيغة أمنية عسكرية صارخة ولم يعرض على المختصين من الجانب العلمي والاجتماعي والقانوني والشرعي. بل تم سلقه والتصويت عليه في مجلس الأمة بشكل مستعجل وهذا بحد ذاته مرعب جداً.
ويضيف العبدلي: إن تصريحات المسئولين بكل المرتبطين بهذا المشروع متفاوتة ومختلفة جداً، وكذلك تصريحات النواب؛ مقاومة الإرهاب، القبض على المزورين، حماية الأمن…. إلخ. مما يدل على أن الشفافية غائبة في هذه المسألة.
وقرر العبدلي أن مواد القانون فضفاضة ومخيفة جداً. فالمادة (2) من القانون مثلاً تنص على أن تنشأ بوزارة الداخلية قاعدة بيانات للبصمة الوراثية تخصص لحفظ البصمات الوراثية الناتجة عن العينات الحيوية التي تؤخذ من الأشخاص الخاضعين لهذا القانون. كما تنص المادة (11) منه على أن تسري أحكام هذا القانون على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين، وكل من دخل الأراضي الكويتية على نحو ما تنظمه اللائحة التنفيذية.
لقد حاول صانعو القانون إيهام المتلقي بأن القانون لا يتعدى مجرد أخذ بصمة. وقد سبق للجميع أن أعطوا بصماتهم، فلماذا الخوف؟ والسلاح المرفوع بوجه كل معارض للقانون هو "أنت خايف من شنو؟ لا تبوق لا تخاف". والحقيقة أن هذه مغالطة فكرية ومنطقية فاقعة.
يعني مصطلح “البصمة الوراثية” ذلك الفحص الوراثي الذي يمكن من خلاله التعرف على أن العينة المفحوصة تعود لصاحبها دون سواه ودراسة ارتباطه بأفراد عائلته من أب وأم وإخوة، وقد سمّيت بالبصمة لأنه يكاد تشابه شخصين في سمات هذه العينة يستحيل (اللهم إلا التوائم المتطابقة)، كما تستخدم هذه العينة في علم الجريمة لربط المتهمين بالجرائم التي يعثر فيها على بقايا بشرية يمكن أن يتم فحصها وراثياً، ومقارنة تشابهها مع العينة المحفوظة أو المأخوذة منهم مباشرة.
هذا هو تعريف البصمة الوراثية، لكن المشروع المعلن عنه، يتعدى ذلك بكثير، حيث إن العينات التي ستؤخذ لن تفحص بهذه الطريقة ولهذا الغرض فحسب، ولن يتم إعدامها بعد ذلك، كما هو معمول به في كل دول العالم التي تعتمد الفحوصات الوراثية، ووضعت لذلك قوانين وقواعد ولوائح صارمة (مثال: أميركا وبريطانيا وبقية دول العالم المتقدم)، بل سيحتفظ بتلك العينات في مختبر (أو بنك للعينات)، لتصبح بعد ذلك عرضة لكل الفحوص الوراثية المتاحة. بمعنى أنهم سيأخذون كل شفرتك الوراثية، أي كل خريطتك الوراثية وسيحتفظون بها إلى الأبد، والسؤال المباشر هنا، ما الفحوص الأخرى الممكنة؟ وما المعلومات التي يمكن أن تكون متاحة من هذه الخرائط الوراثية الكاملة التي سيتم جمعها؟
من الأمور التي يمكن الكشف عنها من خلال العينات الوراثية، بالإضافة إلى تحديد النسب المباشر بالوالدين خريطة العرق الوراثي، أي صحة انتساب الشخص لهذه العائلة أو العشيرة أو القبيلة، وصولا إلى الإشارة إلى الموطن الذي جاءت منه سلالته، وقد انتشر منذ فترة مقطع فيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي يتحدث عن هذا، فكان مثيرا للدهشة الصارخة! حيث أظهر كيف يمكن تحديد الأعراق المختلفة التي تداخلت في تكوين الشخص الواحد من خلال فحص عينته الوراثية.
وزاد: من الجانب الآخر، يجب أن نعلم أن أخذ العينات وإن كان سهلا في ظاهره، إلا أنه يتطلب إجراءات طبية دقيقة مكلفة للجمع والنقل الآمن المانع لفساد العينات والحافظ لخصوصيتها وسريتها، مما سيستلزم وجود أشخاص مؤهلين مؤتمنين للقيام بذلك، وبعدها يستلزم مكانا ضخما مجهزا على الصعيد الطبي والتقني والأمني للفحص والتخزين ومن ثم للحفظ طويل الأمد (الأرشيف)، فهل لدى مؤسسات الدولة (الداخلية، الصحة… إلخ) مثل هذه المتطلبات؟ وكيف سيتم الاحتفاظ بسرية العينات والبيانات؟ وكيف ستتم المحافظة عليها من السرقة والاختراق، في زمن صرنا نسمع فيه عن اختراق شبكات المعلومات في كل يوم.
واستغرب العبدلي من إصدار مثل هذا القانون ونحن نتحدث عن الحالة الاقتصادية الحرجة للبلاد وعن سياسة الترشيد التي تنتهجها الحكومة وتوجهها لرفع الدعم. ولو حسبنا تكلفة المشروع فسنجد أن قيمة "الكيت" للفحص الواحد لا تقل عن مائة دولار، ونحن نتحدث مبدئياً عن 4 مليون عينة، يعني 400 مليون دولار. أضف إلى ذلك التجهيزات والمعدات والأجور وخدمات النقل والتخزين وسيصل المبلغ إلى مليار دولار.
واختتم العبدلي بقوله: أعارض بشدة قانون البصمة الوراثية بصورته الحالية وأطالب بأن يتم وقفه وإعادة دراسته من خلال المختصين لإزالة المثالب الفاحشة التي يحتويها ولأجل تحقيق غايات واضحة ومحددة.
وقال الدكتور حمد الياسين إن لديه تحفظ على كلمة مخاوف من البصمة الوراثية حتى لا نخلق حالة من الخوف لدى العامة من موضوع البصمة الوراثية. وأضاف أنه كان يتمنى أن يتحدث عن موضوع البصمة الوراثية من منطلق علمي بحت، ولم يكن يريد الدخول في مناقشة سياسية للموضوع، إلا أن هناك أموراً لابد من طرحها:
فعندما أقروا قانون البصمة الوراثية جاء إقرار بسرعة وبشكل مفاجئ، فقد فوجئنا أن القانون طلع ومجلس الأمة وافق عليه وتم نشره في الجريدة الرسمية. وما أعجبني أننا وجدنا أنفسنا أمام فريقين: فريق مدافع بشدة عن هذا القانون، وفريق معارض بشدة للقانون، وللأسف لم يكن أحد الفريقين متخصصا في الموضوع حتى ينبري للدفاع عنه أو انتقاده فأصبح الموضوع يطرح سياسياً بعيداً عن التخصص والمنطق.
وتكلم الياسين عن تعريف الجينوب البشري الموجود في البصمة الوراثية قائلا إنه عبارة عن تسلسل وراثي موجود في كل شخص منا ويتكون من أربعة قواعد نتروجينيه، بل أقول أربعة أحرف هي A,G,T,C. ويبلغ عدد هذا التسلسل في جسمنا حوالي 3 ملايين حرف في جسم كل شخص. ونحن البشر نتشابه في حوالي 99.9 % من هذه القاعدة النيتروجينية المكونة من الحروف الأربعة.
وشرح الياسين أن الاختلاف بين أي شخص وآخر من أي مكان بالعالم لا يتجاوز 0.01. وتعتمد أغلب التطبيقات للحمض النووي على هذه النسبة من الاختلافات. فهذه النسبة هي المسئولة عن جميع الاختلافات التي نراها بين أي شخصين سواء على الجانب الشكلي أو حتى على الجانب الوظيفي.
وأضاف أن البصمة الوراثية هي جزء من هذه المادة الوراثية وهي عبارة عن تسلسل وتكرارات معينة لأحرف معينة موجودة في مواقع معينة في المادة الوراثية للشخص. وتختلف هذه التكرارات من شخص لآخر وبالتالي تم تسميتها "البصمة الوراثية" لأن عددها يختلف من شخص لآخر وبالتالي ممكن نستخدمها للتعرف على الشخص.
ثم شرح الياسين كيفية أخذ البصمة الوراثية فقال: نحن بحاجة إلى أخذ عينة من الحمض النووي الذي نستطيع أن نأخذه من أكثر من مصدر من جسم الإنسان؛ من الدم، من اللعاب، أو مسحة من الفم ليس ضروريا من اللعاب، أو من الأنف أو الأذن فنستخرج مادة وراثية نستطيع عمل الفحوصات عليها.
ثم انتقل الياسين إلى الحديث عن فوائد البصمة الوراثية بصورة عامة فقال: إن من فوائدها إثبات البراءة للشخص من ناحية التطبيقات الأمنية، وكذلك تأكيد أو نفي النسب.
وفي رأيي أن أي أداة علمية مثل فحص البصمة الوراثية عبارة عن سلاح ذو حدين. ما يحدد فائدتها أو ضررها هو الأسس القانونية والأخلاقية التي تقوم عليها. فنحن على سبيل المثال بالجامعة نقوم بإجراء عملية لفك الشفرة الوراثية لمرضى التكيس الكلوي. وقبل أن نقوم بذلك لابد أن يكون لدينا موافقة الشخص على إعطائنا الحمض النووي للقيام بهذه الفحوصات.
وختم الياسين بقوله إن القانون تم إقراره دون أخذ رأي المختصين. وحتى الإخوة القانونيين مع احترامنا لهم أعتقد أنهم لم يطلعوا على الجانب الأخلاقي لهذا القانون بصورة وافية. فالحمض النووي يعتبر خصوصية للشخص؛ هو ملكي أنا، متى ما أردت أن أقده لجهة معينة لابد أن أوافق لهذه الجهة بأن تأخذ عينة من الحمض النووي الخاص بي.
فالبصمة الوراثية أداة مهمة مفيدة لقضية تزوير الجنسية. فهل أنا مع استخدام البصمة الوراثية في هذه القضية؟ نعم لأن هذه القضية خطيرة على المجتمع ولابد من حلها بأسرع وقت وأنسب طريقة ولكننا في حاجة إلى أسس قانونية متينة تنظم عملية استخدام البصمة الوراثية لأنها كما ذكرنا عبارة عن سلاح ذو حدين.
فأنا في الختام ضد هذا القانون بصيغته الحالية ولكنني لست ضد البصمة الوراثية كأداة يتم استخدامها في التطبيقات الأمنية.
في حين عبر المحامي عادل عبد الهادي عن قلقه ومخاوفه من قانون البصمة الوراثية الذي تم إقراره في عجلة عقب حادثة تفجير مسجد الصادق. وقال العبد الهادي إن هذا القانون خطير جداً ومرعب جداً حيث إنه مخالف للأعراف الدولية ومخالف للأخلاق ومخالف للدستور ومخالف للقانون.
وأضاف العبد الهادي: عقب إصدار هذا القانون المعيب قمنا بمراسلة كل دول العالم ومنظمات حقوق الإنسان ولم يثبت لنا أن هذا القانون يتم تطبيقه في أي دولة في العالم حتى الولايات المتحدة التي وقعت فيها أحداث 11 سبتمبر وقتل فيها آلاف من البشر لم تقر مثل هذا القانون.
وزاد: إنه حتى المجرم المقبوض عليه والثابت عليه أي جريمة في بعض الولايات الأمريكية لابد من أخذ موافقته على إجراء البصمة الوراثية قبل أخذ العينة منه.
وأكد العبد الهادي أنه بعد مراجعة العديد من الجهات الشرعية المتخصصة فقد أكدت هذه الجهات أن أخذ البصمة الوراثية وفحصها لا يكون إلا في حدود ضيقة جداً.
وأضاف: لقد عقدنا هذه الندوة فقط لكي نعطي فرصة لوزارة الداخلية للمراجعة، فلو كان الموضوع متعلق بالإرهاب فهو أيضاً غير مجد، وأوضح أنه لو دخل علينا الآن شخص ما وفجر هذه القاعة التي نجلس فيها لن يستطيع أحد تحديد من الذي قام بالتفجير من بين الجثث التي تتواجد في القاعة، ولكنهم فقط يستطيعون تحديد أو التعرف على كل من كان موجوداً بالقاعة من خلال فحص البصمة الوراثية للأشلاء الموجودة.
وأكد العبد الهادي أن هناك عدد كبير من المواطنات قمن بالاتصال به وشرحوا له ظروفاً صعبة مررن بها عقب صدور هذا القانون مؤكدين أنهن تعرضن للاغتصاب أثناء الغزو العراقي الغاشم وحملن وأنجبن وما يعلم بهذا غير الله سبحانه وتعالى وأزواجهن الذين قدروا تلك الظروف. وتساءلن كيف يأتي قانون كهذا ليفضحهن بعد أن سترهن الله طيلة هذه السنين وهن الآن في أعمار تتراوح بين الخمسين والستين؟
أما المحامي محمد عبد الله العنزي والذي قدم هو الآخر طعنا دستورياً على القانون المذكور فقد أكد أن قانون البصمة الوراثية يتعارض مع مواد الدستور الكويتي وأن من أيدوا هذا القانون استندوا على حجج واهية مؤكداً أن القانون ليس فيه فقط مخالفة دستورية بل فيه مخالفة شرعية أيضاً.
وشرح العنزي هذا الطرح بأن المادة 33 من الدستور الكويتي تقرر أن العقوبة شخصية. وهذا يعني أن من ارتكب جريمة يعاقب عليها طبقاً للقانون وليس شخصا آخر معه أو بديلاً عنه. مضيفاً أن القرآن الكريم أكد في أكثر من موضع هذه الحقيقة ونرى هذا واضحاً في قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وهذا هو العدل الإلهي.
وتساءل العنزي: ما الهدف من هذا التشريع المشين؟ ليس من المنطقي أن نعتبر جميع المواطنين والمقيمين والزائرين لدولة الكويت مشتبه بهم!!
وضرب العنزي مثلاً بأنه إذا كان هناك زوج مثلاً مختلف مع زوجته ويشك في تصرفاتها ووصل الشك به إلى الشك ببنوة أحد أولاده. وحفاظاً على ترابط الأسرة أراد هذا الزوج أن يستر على زوجته لأن له منها أبناء آخرين، فكيف بهذا القانون يأتي ليفضح هذا الستر ويخرجه للعلن؟!
وأكد العنزي أنه مستعد لسحب الطعن الذي قدمه للمحكمة الدستورية فوراً إذا أثبت أحد أن هناك دولة واحدة في العالم تعمل بهذا القانون.