هل تساءلت، لماذا تسكن طائفة الآميش في مناطق محددة لا يسكنها غيرها في الولايات المتحدة؟
لماذا هدم الألمان جدار برلين؟ ولماذا بنت إسرائيل جداراً عازلاً؟
هل سمعت أغنية شادية «مين قالك تسكن في حارتنا وتقل راحتنا»؟
بدأت الحكاية عندما سمعت ردود فعل غاضبة من بعض أهالي الجهراء، عن تصريح احد الأطباء تجاه منطقتهم تحديداً. ورحلت بي الذاكرة حتى وصلت الى اعتراض بعض السياسيين على إقامة «مسرحية» في منطقة صباح الناصر معتبرين إقامتها خدشاً لعاداتهم. ثم حلّقت الذاكرة وحطت على ذكرى تصريح لنائب وجه فيه أصابع الاتهام لمنطقة بنيد القار بأنها تحتوي على حرس ثوري!
تتميز المدن الكبرى بأنها مزيج من آلاف المشارب والاعراق والجنسيات والديانات، هذا التجمع البشري الهائل ترى هدفه جلياً كل صباح باتفاق الجميع على العمل. نستطيع القول ان العمل هو العامل الذي جمع الملايين في بؤرة جغرافية واحدة تحديداً. كما نستطيع التأكيد أن شهرة هذه المدن لم تأت بيوم وليلة، وإنما هي مدن عريقة استمدت هذه الأهمية من موقعها الجغرافي المميز ومن انفتاحها نحو الجميع، فصارت الواجهة مثل فن الفوتوشوب الحديث الذي يُكوّن «بورتريه» مكتمل الاركان قوامه مجموعة صورٍ صغيرة جدا مختلفة ومتنوعة الا ان اجتماعها واندماجها يجعل منها تلك الصورة العامة لهذه المدينة.
مزيج متباين من الزنوج والقوقاز وذوي السحنة السمراء والبشرة البيضاء وبقية الأجناس التي التأمت في هذا المكان. جمعتها قيمة العمل والانتاج فجعلت منها لوحة كبرى كلما تمعنت في تفاصيلها ازددت استغرابا وافتخارا بان التباين يخلق الجمال المتكامل الاركان، فهو الذي يعطي باختلافاته للصورة قيمة ويضفي عليها التفاصيل التي يحتاجها الكمال. وعلى العكس من ذلك تماما لوحات اللون الواحد، شاحبة مملة لا إثارة فيها ولا إبداع.
بعض الساسة وغيرهم عيونهم ترفض رؤية الصورة كاملة وتصر على العيش المتقوقع. يخافون من الالوان ويعشقون الشحوب. حديثهم بنغم واحد. أصواتهم بوتيرة واحدة. حتى أنفاسهم لا تزداد سرعتها حبا ولا تحتبس في خلجات صدورهم اضطرابا. عالم اللون الواحد ربما يصلح للباحثين عن الانقراض. يصلح لاشباه الآميش، لكنه بالتأكيد لا يمكن معه خلق المدن المكتظة بالعمل والانتاج، ولا يصلح للصورة الكبيرة. وبالتالي لا يصح واقعاً أن نفكر بإنشاء «مدينة الحرير» الكبيرة في وقت نشجع «بصفة رسمية» كل مظاهر العنصرية ضد الوافدين.
هذا النمط ليس حكراً على فئة ولا طائفة ولا عرق؛ لكنه موجود في كل فئة وطائفة وعرق وعلى محبي الحياة بألوانها المبهجة أن يقاوموا الشحوب ويقوّموه، لعل البلاد تستيقظ يوماً وهي مليئة بالعمل والإيمان بحق الاختلاف.
